كثيراً ما يقولون أن
الأشهر الماضية اظهرت ضعف الإسلام السياسى و فشله كفكر و سقوط الإسلاميين الى
الأبد. فى هذه الرأى يكمن خطراً كبيراً حيث أنه لا يعتمد على رؤية واقعية للأحداث.
حقيقة الأمر هى ان مرسى و الإخوان سقطوا لأنهم فشلوا فى إدارة البلاد بطريقة حكيمة
و لم يدركوا التوازنات التى تقوم عليها الدولة المصرية و كيفية التعامل معها.
مشكلة الكثيرين مع الإخوان كانت فى ان حياتهم لم تتحسن كما كانوا يتوقعون من اول
حكم جاء بإنتخابات ديمقرايطة بعد الثورة. كان المواطن يعانى من نقص البنزين و
إنقطاع المياة و الكهرباء بشكل شبه يومى و كان ايضاً يعانى من تخبط حكومة ضعيفة لم
تستطع التعامل مع مشاكل البلد المترهلة. فى النهاية سقوط الإخوان فى أعين الشعب
كان لعدم كفاءتهم و فشلهم فى تطبيق خطة ناجحة للنهوض بالوطن.
Photo via onaeg.com |
اما الأيديولوجية،
فكرة الإسلام السياسى الذى يقوم فى الأساس على إستخدام الدولة لتطبيق اليوتوبيا
الدينية، فهذا لم يسقط. معارضة الإخوان لم تأت رافضة لهذا الفكر بل جاءت بعد
إنتشارأفعال و أقوال مشينة للإدارة الإخوانية على
النحو السياسى و القانونى و الإقتصادى مصحوبة بإشاعات و نظريات مؤامرة. كل هذا جعل جزءًا كبيراً من الشعب ينبذ
الجماعة التى رآها غير قادرة على التمسك بزمام الأمور فى مصر. و الدليل هو أن
الشعب لم يختر بديلاً سياسياً للإخوان بل كان إتكاله على الجيش ليخلصه.
قد يقول البعض ان
الشعب لم ينبذ الإخوان لفشلهم السياسى و الإقتصادى فحسب بل رفض ايضاً فكرة خلط الدين
بالسياسة. اما مسودة الدستور الحالية توحى بشئ آخر، السلفيوين الممثلون من خلال
عضو واحد فقط إستطاعوا أن يضغطوا على الجمعية بأكملها فى شأن المادة 219. سوف يتم
تغيير المادة فى الغالب و لكنها ستظل موجودة حتى إذا كانت هناك أغلبية ضدها.
يستطيع هذا الحزب أن يؤثر هكذا لأنه يعرف أن له شعبية اكثر من شعبية باقى أعضاء اللجنة و أعضاء اللجنة
يدركون ذلك ايضاً و ليتهم يدركون أنهم لا يملكون بديلاً أيديولوجياً ليقدموه
للشعب. لذلك يتفاوض حزب النور بتلك الطريقة، فهو يعرف أن رضاه على الدستور القادم
سوف يكون له أهمية كبيرة. إذن الخلط بين الدين و القانون و بين الدين و تحركات
الدولة سيظل كما هو و لكن فى رداء آخر.
و إن إفترضنا أن
الشعب قد رفض الفكر الإسلامى، فهو لم يرفض أبداً الفكر الإقصائى الفاشى و لم يصبح
متقبلاً للنقد او المنطق. بدلاً من نظريات المؤمرة التى تتحدث عن الكفار و الشيعة
و المسيحيين و الدولة العميقة و محاولاتهم لإفشال المشروع الإسلامى، اصبحت الآن
قوى أخرى هى أساس كل مشاكلنا. بدلاً من الإعتراف بضعف هذه الدولة و عدم قدرة
حكومتها على التعامل مع المشاكل العصيبة، ننظر ألى من حولنا كسبب لمشاكلنا و لا
ننظر لأنفسنا فنحن أبناء أم الدنيا، أذكى الأطفال فى الفصل. يبقى الفكر الطائفى و
يبقى الكره الأعمى للآخر و التكبر عليه و يبقى عدم الإهتمام بحقوق الإنسان و
كرماته. إستبدلنا خطابات حنجورية تتسم بالغباء بأغانى فارغة لا تترك المجال لنقد
عقلانى و رؤية واقعية للأمور.
هل كانت أحداث 30
يونيو بمثابة تغيير حقيقى فى مصر يمكنه أن يخلق نظاماً سياسياً جديداً تنمو فى
أحضانه الحرية و يتقدم من خلاله الشعب؟ أم اننا نجد أنفسنا فى دائرة مفرغة حيث
القمع و الإقصاء دائماً طريقة معاملة المختلف؟ إذا كانت ثورة فهى لم تأت بتغيير
جذرى. هذا التغيير للنظام يتطلب تغييراً فى الأيديولوجية، يتطلب رفضاً قاطعاً و
واضحاً للدولة القمعية ذات الحلول الأمنية و الخمال الإقتصادى. التغيير يتطلب
الإعتراف بأننا نفتقر لفكر جديد يمكن أن يكون بديلاً عن ما نحن فيه الآن. نلوم على
الإخوان أنهم لم يدركوا أخطائهم و لم يراجعوا أنفسهم و هذا حقنا، فغرورهم اوصلنا و
اوصلهم لهذه المرحلة. لكن يبدو اننا مصممون أن نقع فى نفس الحفرة حتى يقع الوطن فى
نفس المأذق من جديد.
No comments:
Post a Comment